السودان مخاوف التقسيم الواقع والوقائع ومؤشرات مواقف العالم ودول الاقليم
كتب : عمار عوض
ظلت الدولة السودانية مسرحا لحروب مستمرة منذ الاستقلال بدوافع مختلفة بعضها متعلق بالهوية والدين التي كانت سمة اساسية في الحرب التي قامت منذ الاستقلال في جنوب السودان (دولة الجنوب الحالية) بجانب الاختلالات التنموية ودعاوى التهميش السياسي والاقتصادي في دارفور وشرق السودان ، وخلال كل دورات الصراع هذه ظل هاجس تقسيم السودان قائما والذي تحقق بالفعل عند انقسام جنوب السودان عن الدولة الام عام ٢٠١٠ وظن كثيرين أن هذه آخر حلقات هاجس تقسيم السودان المتبقي قائما الى دويلات في الشرق والغرب والشمال .
بعد اشتعال الحرب واستطالة الحرب الاخيرة عاد هاجس التقسيم الى الواجهة بعد انتقال الحكومة من العاصمة الخرطوم الى مدينة بورت سودان في الشرق، واعلان قوات/ مليشيا الدعم السريع انها سستعامل مع الحكومة التي ينوي بعض السياسين اعلانها في دارفور والتي رشح ان الذين سيكونوا على راسها اعضاء من تقدم والجبهة الثورية ومسؤولين سابقين في الحكومة المقالة ، ما يعني اننا موعودين بسيناريو حكومة مقرها في الشرق السوداني تعترف بها الامم المتحدة وسلطة في (الغرب لا يعترف بها احد من دول العالم او الامم المتحدة ومنظماتها التي فضلت في الفترة الاخيرة العمل بشكل رسمي ووثيق مع حكومة السودان ومجلسه السيادي.
وهو الخوف الرئيس الذي كثيرا ما طرح في وجهي من المواطنين السودانيين خلال زيارتي المتكررة لولايات السودان التي يسيطر عليها الجيش، لانجاز تقارير لمحطات تلفزيونية في اوروبا وامريكا وهم يكررون (هل سينقسم السودان تبعا لهذه الحرب؟ ).
وكنت دائما ارى ان هذا التصور نظريا يمكن ان يتحول الى واقع باعتبار ان المسالة في ليبيا واليمن بدات على نفس هذه الشاكلة ، لكنني مؤمنا ان الحالة السودانية مختلفة تماما من حيث الواقع والوقائع على الارض ، حيث ان دارفور منطقة مغلقة على العكس من اليمن الجنوبي الذي لديه منافذ عديدة على المحيط الهادي ، وكذا حكومة بنغازي بقيادة اللواء خليفة حفتر التي لديها اطلالة طويلة على البحر الابيض المتوسط ، وهو الامر الذي ما ساعدهم على تحقيق قدر من الاستقلالية في التعامل مع العالم الخارجي ، وهو نفس السبب الذي جعل المجموعات المسلحة منذ ايام الحرب الاهلية الاولى بين الشمال والجنوب او خلال الحرب التي تجددت في ولاية جنوب كردفان والنيل الازرق او في دارفور تقوم بتشكيل ادارت مدنية من الجماعات المسلحة بدلا عن لتشكيل حكومات موازية للسلطة التي يقاتلونها التي كان مركزها في الخرطوم.
وحتى اذا سلمنا جدلا ان هناك رغبة من قوات الدعم السريع وحلفائهم داخليا وخارجيا لان تسعى السلطة المدنية التي قاموا بتشكيلها مؤخرا في الخرطوم ودارفور والجزيرة لمنازعة الحكومة المعترف بها في شرعيتها ، فان واقع جوار السودان من حيث الحكومات ستتباين مواقفهم وعلى سبيل المثال لن تقبل الدولة المصرية ومؤسساتها الراسخة ان يتم التعامل مع الدعم السريع وسلطته المدنية، لان مسالة وحدة السودان تمثل خط احمر بالنسبة للدولة المصرية التي دابت على كل مستوياتها التاكيد على وحدة السودان وسيادة مؤسساته على ارض وشعب السودان .
وبالتاكيد ان حكومة حفتر التي تجاور اقليم دارفور ستكون متاثرة بشكل كبير بالموقف المصري لذا لن تذهب حكومة بنغازي الى اي تعامل يخالف الرغبة المصرية.
صحيح ان دول مثل تشاد التي طالما اتهمتها الحكومة السودانية بانها تدعم وتتعامل مع قيادات الدعم السريع مثلهم مثل رجال الدولة ويظهر ذلك في عديد الانباء التي ترشح في وسائط الاعلام الاجتماعي التشادية ، لذا ليس من المستبعد ان تقوم السلطات التشادية في التعامل مع الحكومة التي يحاول البعض اعلانها ، ويرى كثيرون ان خروج فرنسا او اخراجها من تشاد كان بمثابة اخلاء باريس طرفها من سياسة تشاد ومن حمايتها ايضا ، مع ان هذا الاعتراف ان حدث سيلقي بتحديات كبيرة في وجهة سلطة الرئيس محمد ادريس ديبي باعتبار ان اعمدة حكمه وجيشه غالبهم من اثنية الزغاوة المقسمين بين تشاد والسودان والذين يحاربون مع الجيش في اقليم دارفور.
وسيكون الوضع متباينا في افريقيا الوسطى وجنوب السودان الذين يجاورون دارفور ، حيث سيكون من الصعب بالنسبة للحكومة في بانغي الدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة السودانية في بورسودان باعتبار اللقاءات المتعددة التي عقدها الرئيس مع الرئيس السوداني عبد الفتاح برهان خلال جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة ، الى جانب ان السودان سبق له وان رعى اتفاق السلام بين الفصائل المسلحة المتمردة الذين غالبيتهم من القبائل العربية على حكومة بانغي ، ما يعني انه قريب جدا من تفاصيل الاستقرار او عدمه في افريقيا الوسطى ، وهو ما يفسر لماذا اقتربت الحكومة هناك من الجيش وقائده الجنرال برهان.
وهو الحال نفسه بالنسبة لدولة جنوب السودان التي ظلت تؤكد على سيادة وشرعية الحكومة في بورسودان ليس لان السودان يرعى اتفاق السلام الذي انهى الحرب بين القادة الجنوبيين (الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار) بل لعلم الحكومة في جوبا ان اي اعتراف من هذا النوع بحكومة يقف خلفها الدعم السريع سيفتح عليها باب تهب منه رياح عاتية من جهة الحكومة السودانية التي يمكن ان تبعثر الاوراق في الجنوب .
لكن مع ذلك ليس من المستبعد ان يكون هناك تعامل بطرق مختلفة مثلما شهدنا الاسبوع الماضي اتفاق التعايش ما بين قبيلة الرزيقات في شرق دارفور(ينتمي لها غالب قادة الدعم السريع) وجيرانهم من دينكا ملوال في بحر الغزال ينظم حركة التجارة وسلامة الحركة ما بين القبيلتان الذين ظل بينهم عداء مستمر طوال عمر الدولة السودانية ، صحيح انه هو اتفاق اهلي لكنه يشير الى ان ضرورة المحافظة على امن واستقرار حدود دولة الجنوب مع السودان في دارفور يمكن ان تجعل حكومة جوبا تحت دعوى الاضطرار ان تجد لنفسها طريقا مغايرا دون الخروج عن الثوابت المعلنة رسميا من قبل الرئيس سلفا كير ميارديت وحكومته.
ومن نافلة القول ان الولايات المتحدة التي تشارك في الوساطة بين الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع الى جانب المملكة العربية السعودية التي تؤكد هي الاخرى دوما التزامها بوحدة السودان وسلامة اراضيه ، وصحيح ان المبعوث الخاص توم بيريليو في اخر تصريح له قبل مغادرته منصبه حذر من اعلان حكومة في المنفى معتبرا اياها غير مجدية لكن مع ذلك فانه من الصعب التكهن بالمواقف الامريكية في لحظات انتقال السلطة في البيت الابيض.
و من وقائع استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بريطانيا ل(حماية المدنيين) في السودان ، والتقارب المستمر بين موسكو والحكومة السودانية ومصالحهم المشتركة التي ظهرت واضحة خلال هذه الحرب نخلص الى ان موسكو ستكون الظهير الاول للسودان داخل مجلس الامن ما سيقطع الطريق امام اي تعامل رسمي بين الحكومة التي ينوي الدعم السريع التعامل من خلالها مع المنظمات الدولية .
ومن هنا نخلص لان موسكو بالضرورة لن تدعم اي اتجاهات تقسيم تنحو لها قيادة الدعم السريع ، وهو نفس الموقف المتوقع من الصين التي سياستها الخارجية مبنية ضد اتجاهات التقسيم الذي ترفضه التبت وهونج كونج .
ويكتنف الغموض موقف الاتحاد الاوروبي الذي تقوده المانيا وفرنسا بعد خروج بريطانيا ، ومن ناحية برلين استعادت علاقتها مع الحكومة في بورسودان لكنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات وثيقة مع النحبة الدارفورية منذ عقود هي عمر الحرب في دارفور ، وكذا الحال فرنسا تحتفظ بعلاقة وثيقة مع النخبة الدارفورية ويتهمها البعض انها تقف الى جانب الدعم السريع.
وكان رئيس الجبهة الثورية الهادي ادريس احد الناشطين في مسالة حكومة المنفى وداخل دارفور قال في مقابلة هذا الاسبوع ان دولا اوربية عديدة تدعم اتجاه تشكيل حكومة من قوى المعارضة ” جميع الدول التي عينت ممثلين لدولهم في بورسودان دليل على انهم لا يعترفون بشرعية الحكومة في بورسودان وهم يدعموننا” وبالنظر لتلك الدول التي لم يسميها نجد ان الدول التي عينت ممثلين لها هم “بريطانيا والمانيا والاتحاد الاوروبي”