أصبح للحكمة العربية عنوان (…)
السعودية تكمل استعدادها لاستقبال قادة العالم العربي والإسلامي
الرياض : عمار عوض
تنطلق اليوم الاثنين أعمال القمة العربية الإسلامية الثانية التي دعت لها المملكة العربية السعودية في العاصمة الرياض والتي يتوقع أن يحضرها نحو 50 مسؤول رفيع ما بين زعماء ونواب رئيس والتي تأتي امتدادا للقمة السابقة التي دعت لها الرياض بعد شهر واحد من الحرب الإسرائيلية على غزة وتأتي هذه القمة بعد عام كامل تمددت فيه الحرب ليصل مداها الى لبنان ويصل منحنى التوتر الى اقصى درجاته ما بين ايران واسرائيل عبر الهجمات الصاروخية المتبادلة التي جعلت العالم يضع يده في قلبه خوفا من أن تكون هذه مقدمات حرب شاملة ربما تدفع العالم كله الى اتون حرب كونية بالأصالة او الوكالة.
وفي ظل كل هذه الظروف المعقدة دعا عاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي تتعلق به كثير من العقول الشابة ليجنب المنطقة بأسرها الدخول لعالم المجهول في ظل تغيرات عالمية غير مسبوقة في السياسة الدولية ، واستقطاب حاد وانقسام عربي وإسلامي ما بين الشرق والغرب ، وغياب للزعامات العربية والإسلامية الكاريزمية المشهورة في تاريخ المنطقة ، ما جعل كثير من الشباب يلتف حول القيادة السعودية الشابة ممثلة في الأمير محمد بن سلمان الذي أظهر حكمة وقوة وحزم كبير في مواجهة هذه الفراغ الهائل في قيادة الامة العربية والاسلامية.
وتجلت هذه القوة في تصديه للمهة في وقت كانت الدماء تتدفق ساخنة من عزة بدعوته للقمة العربية والاسلامية الطارئة – الأولى التي قادت لتوحيد الموقف من جاكرتا الى نيجيريا ومن الجمهوريات الإسلامية في شمال آسيا وأوروبا الى الجنوب الافريقي ، وخرجت القمة بقرارات قوية دعت لكسر الحصار و دخول قوافل المساعدات الإنسانية العربية والإسلامية والدولية، تحمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع، وهو الأمر الذي شاهده العالم عيانا بيانا كما نجحت في فرض دخول المنظمات الدولية إلى غزة وحماية طواقمها بمساعدة المؤمنين بالحق الإنساني في الحياة حول العالم.
تأتي هذه القمة وسط تحديات جمة ليس أولها تمدد الحرب وارتفاع التوتر وليس آخرها انتخاب دونالد ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة قبل أيام والذي تتباين حوله الرؤى العربية والاسلامية عندما كان رئيسا للولايات المتحدة قبل أربعة أعوام ما بين من يرى أنه لا يعير اهتماما الا لمصلحة الولايات المتحدة وما بين من يرى انه قادر على ايقاف الحروب وإنهاء التوترات بعقلية رجال الأعمال الذين يبحثون عن الاستقرار بأي ثمن لضمان استمرار التجارة والاقتصاد.
يجمع الصحافيين والمراقبين الذين تضج بهم ردهات فنادق الرياض والمركز الإعلامي على أن حسن تدبير المملكة العربية السعودية واميرها الشاب بأن دعت لهذه القمة لتعقد بعد معرفة ساكن البيت الأبيض الجديد ، ما يجعله قادرا على توحيد الرؤى والخطاب السياسي والمطالب جهة الراهن السياسي ومستقبل المنطقة بأسرها ، والذي اعتبره حكمة وقيادة رشيدة تعرف جيدا أن تحقيق أي مطالب سياسية أو مواجهة اي رؤى لمستقبل المنطقة ان كان سلاما عادلا أو مواجهة لحماية الثوابت العربية والاسلامية التي جسدتها مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز والإجماع الذي حازته مطلع القرن الحالي .
ويجمع المراقبون في الرياض على ان القمة ستتجه الى تحقيق مجموعة أهداف بدءاً من توحيد الصف العربي والإسلامي وتوحيد الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وتقديم الدعم والتضامن للشعبين الفلسطيني واللبناني، أما الهدف الأبرز الذي يتحدث عنه المسؤولون فهو إقرار خطوات سياسية من أجل وقف الحرب
وتختلف التقديرات بينهما حول حجم تأثير الدول العربية على مواقف الرئيس الأميركي، بين من يرى أنها قادرة على التأثير ومن يرى أن ارتباطه بإسرائيل أكبر وأهم من أن يؤثر عليه أي موقف عربي، مشيرة إلى أن تجربة ترامب الاولى مع الدول العربية لم تكن على قدر التوقعات.
بشكل شخصي دائما ما كانت رهاناتي مبنية على أن المملكة العربية السعودية وبما تمثله من ثقل ديني واقتصادي وسياسي في العالم العربي والإسلامي يجعلها قادرة على تطويع كل الظروف لصالح شعوب المنطقة وأنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة أي كان رئيسها لفرض إرادة لا تتجاوب معها السعودية .
كما أنني كثيرا ما اضع رهاني على شخصية الأمير محمد بن سلمان الذي يمثل الجيل الثاني من الحكمة العربية والواقعية السياسية والقدرة على فرض رؤى حداثوية تتماشى مع روح الدين والعصر والتي شاهدناها عيانا بيانا خلال السنوات الماضية كانت تتحول فيها السعودية ما جعل كثير من الشباب ينظر له عنوانا للمستقبل العربي الإسلامي .
كما انني اجادل حول قدرة بن سلمان على تطويع المستقبل لصالح الشعوب العربية في الفترة القادمة للرئيس ترامب باعتبار ان فترة ترامب السابقة كان مركز الثقل العربي منقسما في منطقة الخليج والشام وبلاد فارس ، لكن الأمير الشاب بفضل الحكمة التي اشتهر بها اهل الصحراء العربية نجح في اعادة سوريا الى الحضن العربي ورأينا بشار الاسد ، الى جانب أمير قطر تميم بن حمد ورئيس تركيا رجب طيب اردوغان في القمة السابقة ما يشير إلى تأمينهم على حسن قيادته للمشهد ، كما رأينا كيف اعاد العلاقات الى طبيعتها مع إيران وفق القاعدة الشهيرة (لا ضرر ولا ضرار) ورأينا عودة التمثيل الدبلوماسي بين طهران والرياض ، والان للعام الثاني يلبي قادة العالم العربي والإسلامي دعوته للتشاور وتوحيد الموقف ، وهي كلها نقاط تحسب لصالحه خلال الدورة القادمة للرئيس دونالد ترامب خاصة أو التصورات الغربية للشرق الاوسط عامة .
كل ذلك يجعل كثيرون مثلي مرتاحين لحسن قيادته لمستقبل المشهد السياسي في منطقتنا ولو كان كثيرون يتحسرون على غياب حكيم العرب الشيخ زايد بن نهيان طيب الله ثراه ، لكن حسن القيادة التي اظهرها ولي العهد السعودي تؤكد أن الحكمة العربية في جزيرة العرب صار لها عنوان اسمه (الامير محمد بن سلمان) وان غدا لناظرة قريب.