كثّفت جماعة الحوثي منذ بدء حرب غزة هجماتهم في البحر الأحمر من أجل إبطاء حركة الملاحة البحرية الدولية. دفعت تلك الهجمات واشنطن والدول الأوروبية بتسيير الدوريات في جنوب البحر الأحمر لاستعادة الاستقرار وتعزيز الأمن في المنطقة. بالتزامن مع تقديم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية دعما لتشكيل مهام حربية لضمان حرية الملاحة والتصدي لهجمات جماعة “الحوثي” في مياه البحر الأحمر.
ردود الفعل الغربية والأوروبية على هجمات جماعة “الحوثي”
أعلنت الولايات المتحدة والدانمارك وألمانيا وهولندا وبريطانيا في 20 يناير 2024، أن “الهدف يبقى متمثلا في تهدئة التوتر واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر”. وأكد رئيس الوزراء الهولندي “مارك روتي” إن الإجراء الأمريكي البريطاني “يستند إلى حق الدفاع عن النفس، ويهدف إلى حماية حرية المرور ويركز على وقف التصعيد”. واعتبرت بريطانيا أن الضربات على جماعة الحوثي “مشروعة ودفاعا عن النفس”، لتحقيق أهدافهم السياسية والدبلوماسية.
كشفت البحرية الأميركية عن حصيلة ما حقق “حارس الازدهار” في البحر الأحمر، وهو التحالف الدولي الذي تم تشكيله لردع جماعة “الحوثي” عن مهاجمة السفن التجارية. فحوالي حوالي (1500) سفينة تجارية “عبرت مياه البحر الأحمر بأمان منذ بدء حارس الازدهار”. وسجل (25) هجوما ضد السفن التجارية التي تعبر جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، منذ 17 نوفمبر 2023، وأسقطت (19) طائرة مسيرة وصاروخا في البحر الأحمر.
أكد دبلوماسيين غربيين في 11 يناير 2024 أنهم أخبروا المديرين التنفيذيين البحريين أن الأهداف التي من المرجح أن تستهدف جماعة “الحوثي” تشمل مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار والرادارات ومستودعات الأسلحة حول مدينتي الحديدة وحجة اليمنيتين.
الوجود العسكري للدول الغربية في البحر الأحمر
قدم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعما مبدئيا لفكرة تشكيل مهمة بحرية لحماية السفن من هجمات جماعة “الحوثي” في البحر الأحمر. الهدف هو تشكيل المهمة في موعد أقصاه 19 فبراير 2024 لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، واعتزمت هولندا الانضمام إلى بعثة الاتحاد الأوروبي. تستهدف العملية “أجينور” وهي بقيادة أوروبية ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممر ملاحي رئيسي لصادرات النفط من دول الخليج.
يوجد لفرنسا قاعدة بحرية في الإمارات و(1500) جندي في جيبوتي، وفرقاطتها “لانجدوك” موجودة حاليا في البحر الأحمر لتعزيز الاستقرار. أعلنت النرويج إنها إرسال (10) ضباط بحرية إلى البحرين التي تستضيف مقر قيادة القوات البحرية المشتركة لضمان الاستقرار.
شكلت الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2023 تحالف دولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، تحت مسمى “المبادرة الأمنية المتعددة الجنسيات”، ويضم (10) بلدان من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا واليونان. دخلت حاملة الطائرات النووية الأمريكية “يو إس إس دوايت أيزنهاور” مياه البحر الأحمر للتصدي لهجمات جماعة ” الحوثي”.
أعلنت بريطانيا في 20 ديسمبر 2023 إرسال المدمرة “دياموند” للعمل ضمن قوات التحالف الدولي الخاص بحماية السفن في البحر الأحمر وخليج عدن إلى سفينة “لانكاستر”، بالإضافة إلى (3) سفن لإزالة الألغام وسفينة دعم تابعة للأسطول الملكي البريطاني.
أكدت وزارة الخارجية والدفاع الألمانية أن دراسة المشاركة المحتملة للجيش الألماني في التحالف الأمني الذي شكلته الولايات المتحدة لحماية الملاحة في مياه البحر الأحمر، لم تكتمل بعد. نفى متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية صحة تقارير قالت إن البحرية الألمانية ليس لديها قوات تشارك بها في هذه العملية، معلقا عليها بالقول: “لا يسعني إلا أن أصف هذه التقارير بأنها خاطئة” لافتا إلى الفرقاطات الألمانية من الفئة 124.
قد يتعرض كل من أمن الطاقة العالمي خصوصا في أوروبا، التي لا تزال تتعافى من التأثير الهائل لحرب أوكرانيا، وذلك إذا تصاعدت هجمات الحوثيين وأدت إلى تعطيل شديد في حركة الملاحة في البحر الأحمر. استخبارات الأركان العسكرية للاتحاد الأوروبي (EUMS INT) ـ الهيكل والمهام
مهام وقدرات القطع البحرية العسكرية في مياه البحر الأحمر
يهدف التواجد العسكري الغربي في مياه البحر الأحمر إلى مواجهة تهديدات جماعة “الحوثي” في اليمن للممرات المائية والملاحة الدولية، بالإضافة وضمان حرية الملاحة في المنطقة وتأمين السفن التجارية وضمان التدفق الآمن للتجارة الدوليةو تأمين المضايق وممرات الملاحة بخليج عدن. فضلا عن مطاردة الزوارق الحوثية التي تحاول الاستيلاء على السفن، كذلك صد الهجمات الحوثية بالمسيرات والصواريخ.
جهزت المدمرة “دياموند” ضمن قوات التحالف الدولي الخاص بحماية السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، بنظام الدفاع الجوي “Sea Viper”، والذي يمكنه تتبع ما يصل إلى (2000) هدف والتحكم في الوقت ذاته في عدة صواريخ “Asper” في الجو. تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيسي في مواجهة الهجمات الحوثية على مدمرات تطلق الصواريخ مثل مدمرة “يو إس إس لابون” (USS Laboon) والتي تحمل صواريخ متقدمة وقادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية.
كما يمتلك الجيش الأميركي عددا كبيرا من الطائرات من دون طيار للقيادة والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارتية ورصد قدرات جماعة “الحوثي” العسكرية بوصفها جزءا من فرقة قوة المهام المشتركة 153.
تعتبر الطائرة الأمريكية “ام كيو 9” المتخصصة في القتال من أهم طائرات الاستطلاع والرصد، حيث يمكن تسليحها جيدا بالصواريخ والقنابل الدقيقة. تعد “ام كيو 9” قادرة على العمل على ارتفاعات عالية لمدة تصل إلى (24) ساعة ويبلغ سعرها حوالي (30) مليون دولار. توفر “ام كيو 9” المسيرة قدرة على تنفيذ الضربات والتنسيق والاستطلاع ضد أهداف مهمة وبجمع المعلومات الاستخباراتية والضربات الدقيقة للأهداف العسكرية لجماعة “الحوثي”. أمن دولي ـ عوامل توسع رقعة الحروب وانعكاساتها على أمن الخليج العربي
أمن وسلامة البحر الأحمر والخليج العربي في المواثيق الأممية
اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار (2722) بتأييد (11) عضوا من الدول الأعضاء يدين الهجمات التي شنها جماعة “الحوثي” على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر ويطالب بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات. كذلك القرار رقم (2216) الصادر عام 2015 “تحت الفصل السابع”، والذي حظر وقتها تزويد جماعة “الحوثي” بالأسلحة وفرض عليهم الكثير من العقوبات وطالبهم بوقف القتال.
طالب القرار الدول المجاورة بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن في حال ورود اشتباه بوجود أسلحة فيها، أعربت الأمم المتحدة عن استعدادها لاتخاذ مزيد من الخطوات في حال عدم تطبيق بنود القرارين 2216 و2201 (الصادر في عام 2015) بشأن اليمن وجماعة “الحوثي”.
يقول ” شتيفان هيبشترايت” الناطق باسم المستشار الألماني أولاف شولتس في 20 ديسمبر 2023 :” هناك حرية في البحار وفي أعالي البحار أيضا، وإذا ما تعرضت هذه الحرية للتهديد، فإن المجتمع الدولي مطالب بالحد من هذه التهديدات”، دون التطرق لمشاركة بلاده بشكل مباشر.”
تداعيات هجمات جماعة “الحوثي”
أشار تقرير في 20 يناير 2024 إلى أن التوتر في البحر الأحمر يضعف التجارة في أوروبا، وبات يؤثر سلبا على الشحن إليها، ما قد يهدد بتوسيع الفجوة بين القارة العجوز والولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي. بات يهدد الصراع في الجوار الأوروبي بإضعاف الاقتصاد المتعثر بالفعل بينما تراقب الولايات المتحدة الأكثر قوة من مسافة أكثر أمانا. قد يؤدي التصعيد الجيوسياسي الأخير إلى تعزيز عدم التوازن الاقتصادي والسياسي بين أوروبا والولايات المتحدة.
تتمثل استراتيجية، الدول الغربية تجاه جماعة “الحوثي ” في توليفة من ضربات عسكرية محدودة وعقوبات، تهدف على ما يبدو إلى منع نشوب صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، وذلك رغم سعي واشنطن إلى معاقبة “الحوثيين” على هجماتهم على السفن في البحر الأحمر. لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستحقق هدف واشنطن الرئيسي وهو وقف هجمات الحوثيين. وتصاعدت التحذيرات من أن محاولة الحل الوسط قد تعني استمرار الاضطراب بالممر الملاحي الحيوي للتجارة العالمية مع بقاء خطر نشوب مواجهة عسكرية إقليمية أكبر. .أمن دولي ـ أهمية باب المندب والقرن الإفريقي خلال الحروب والنزاعات الدولية
تقييم وقراءة مستقبلية
– تهدف المهام العسكرية الغربية والأوروبية إلى خفض التوتر واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر. وحماية حرية الملاحة خصوصا تأمين المضايق وممرات الملاحة بخليج عدن ومضيق هرمز، ومنع جماعة “الحوثي” من تحقيق أهدافهم السياسية والدبلوماسية.
– تعرض هجمات جماعة “الحوثي” التجارة الأوروبية للخطر، حيث أن (40%) من التجارة الأوروبية لاسيما الأوروبية الآسيوية التي تمر عبر مضيق باب المندب وهي منطقة رئيسية لإمدادات النفط الأوروبية.
– تمتلك السفن الأمريكية والأوروبية بوصفها جزءا من فرقة قوة المهام المشتركة 153، عددا كبيرا من القدرات العسكرية لصد أي هجوم، كذلك طائرات من دون طيار للقيادة والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارتية ورصد قدرات جماعة “الحوثي” العسكرية.
– يمكن القول أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد تشن هجمات أوسع ضد أهداف الحوثيين في البحر الأحمر مع ضمان تحقيق التوازن بين ردع تلك الهجمات وعدم إشعال خطر توسيع الصراع في الشرق الأوسط.
– اعتمد مجلس الأمن الدولي العديد من القرارت كالقرار (2722) كذلك القرار رقم (2216) الصادر عام 2015 لتعزيز الاستقرار في مياه البحر الأحمر وضمان حرية الملاحه فيه.
– بات من المتوقع أنه إذا استمرت هجمات جماعة “الحوثي” ضد السفن البحرية والتجارية والعسكرية، أن تتصاعد احتمالية خطر نشوب مواجهة عسكرية إقليمية أكبر.
– من المرجح مع تصاعد التوتر في مياه البحر الأحمر أن ترتفع معدلات التضخم في أوروبا ما يؤدي إلى أزمات اقتصادية في جميع أنحاء أوروبا التي تواجه بالفعل تداعيات اقتصادية سلبية من حرب أوكرانيا.