يعتبر شعب البجا من المكونات المجتمعية والثقافية الفريدة في كلّ من السودان ومصر. ويتمتع البجاويون بخصوصيةٍ ثقافية وحضور تاريخي بارز، علماً بأنهم يمثلون أكبر مجموعة عرقية غير عربية تقيم في المناطق الممتدة بين البحر الأحمر ونهر النيل.
وبحسب ما يذكره الكاتب مسعود شومان في كتابه “الشعر الشعبي في مجتمع البجا”، فإنّ ثقافة البجا “تشمل منظومة من القيم والعادات والتقاليد والفنون النثرية والشعرية والحركية والتشكيلية والموسيقية”. كما أن اللغة البجاوية تكتنز الكثير من “التراكيب وطرائق الصياغة وجماليات وعناصر الاتصال”.
التاريخ
البجا مجموعةٌ من المجموعات الرئيسية التي تدخل ضمن الكيان المركّب في السودان. ويمتد موطن أبناء البجا الحالي من الأراضي الواقعة بين البحر الأحمر شرقاً ثم إلى النيل غرباً. وتمتد منطقتهم من المنحدرات الشمالية للهضبة الحبشية في الجنوب، إلى نهاية مديرية أسوان داخل الأراضي المصرية. وقد بلغ عددهم نحو 1.9 مليون نسمة، وفقاً لإحصائيات أوائل القرن الحادي والعشرين.
أما وفق آخر إحصاء سكاني رسمي أجري عام 2008، يشكل البجا حوالي 10% من سكان السودان البالغ عددهم 45 مليوناً، أي ما يقارب 4 مليون نسمة.
ويختلف المؤرخون حول المناطق الأصلية التي جاء منها البجا. ومع ذلك، فقد اتفقت بعض المراجع على أن نسلهم يعود إلى كوش بن حام بن نوح. وهاجر أجداد البجا إلى منطقة إقامتهم الحالي بعد طوفان سفينة نوح، وفقاً لما ذكره أندرو بول في كتابه “تاريخ قبائل البجا في السودان”.
أما المؤرخون العرب، فيتفق بعضهم في روايته مع ما ذهب إليه بول. ويقول علي بن الحسين المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” إنّ شعوب البجا “نزلت بين بحر القلزم ونيل مصر، وتشعّبوا فرقاً، وملَّكوا عليهم ملكاً. وفي أرضهم معادن الذهب، وهو التبر، ومعادن الزمرّد”. وللمعلومية، فإن هذا الوصف يتوافق مع ما ذكره الرحالة الشهير ابن بطوطة عن البجا أثناء زيارته لهم.
وعلى الطرف الآخر، يتفق مؤرخون على أنّ أصول البجا ترجع إلى المصريين القدماء. ويرد هؤلاء المؤرخون ما ذهبوا إليه بسبب خصائص البجا المادية ولهجتهم، معتبرين أن هذه الخصائص تدل على أن البجا هم السكان الأصليون للمنطقة وأنهم اختلطوا عبر تاريخهم بالعديد من الثقافات والحضارات وتأثروا بها. ويشمل ذلك العرب والرومان واليونانيين والأتراك.
وينقسم شعب البجا، وفقاً لكتاب “السودان الشمالي، سكانه وقبائله”، إلى أربعة أقسام رئيسية، يمكن أن يُسمّى كل قسم بقبيلة، لكل منها زعيم (ناظر). هذه الأقسام أو القبائل هي البشاريون والأمرار والهدندوة والبني عامر.
اللغة
يذكر في كتاب “السودان الشمالي: سكانه وقبائله” لصاحبه محمد عوض محمد أن البجا يتكلمون لغتهم الحامية (كوشية)، المسماة “تبداوي” أو “البداويت”. فيما تتكلم معظم قبائل البجا الجنوبية من بني عامر ومن يجاورهم من الجماعات القليلة لغة تُسمى “تجرة” (التيجرية) أو (التقرية)، وهي لغةُ سامية منتشرة في أريتريا وشمال بلاد الحبشة.
إلى جانب ذلك، يعرف معظم البجا اللغة العربية إلى جانب معرفتهم لغة التبداوي وتجرة، لكن العربية ليست لغتهم الأصلية. ومع ذلك، فإن هناك بعض البجاويين الذين ينسبون أنفسهم إلى أصولٍ عربية. ويحتفظ بعض أبناء البجا بورقة يسمونها “نسبة”، وهي ورقةٌ مكتوبة أو حديثٌ محفوظ يرجع بهم إلى “قريش”.
وتوجد مفرداتٌ عديدة من اللغة البجاوية أو من أصل بجاوي، وردت في “قاموس اللهجة العامية في السودان” لعون الشريف قاسم. ومن هذه المفردات كلمة “كهنوب” التي تعني الحب أو العشق. وعندما يريد أن يصرّح البجاوي لشخص إنه يحبه يقول “إكهن”.
أقدم من المصرية القديمة
يقول الشيخ محمد طاهر سدو، وهو أحد مشايخ البجا في مثلث حلايب وشلاتين، إنّ اللغة البجاوية أقدم تاريخياً من اللغة المصرية القديمة، وأن هذه الأخيرة اشتقت من البجاوية. ويضيف أنّ كلمة بجا تعني بالعربية المقاتلين والمقصود “مقاتلو الفراعنة”. كما أشار إلى أنّ أوّل من أطلق على مصر كلمة “إيجبت” هم شعب البجا، إذ كانوا يقولون “ايجيب هاش” بمعنى الأقباط.
ومن الكلمات أيضاً كلمة فرعون التي تنطق بالبجاوية “فرائيون”. وتعني هذه الكلمة “أبانا العظيم”. كما أن اسم نفرتيتي، أصله بجاوي ويعني “التوءم الجميل”.
وبحسب سدو، فإنّ الأسماء الفرعونية جميعها بجاوية الأصل، مثل “هامان” وزير فرعون، تأتي من مصطلح “هام أن” بمعنى أنك تطلب من شخص طلباً ما، أي “افعل كذا”.
ويقول سدو إن هناك دولاً اشتق اسمها من البجاوية ومنها اسم فلسطين. وفي البجاوية يعود جذر تلك الكلمة إلى كلمة “فلست”، وتعني بالعربية الممر الضيق.
العادات
يذكر في كتاب “قبائل السودان الكبرى” أنه عندما يولد طفل بجاوي، يُضاء مدخل مسكن الوالدة لمدة أربعين يوماً. وفي السابعة من عمره، يؤهّل ليصير راعياً ويسلّح بخنجر. وعند بلوغه الخامسة عشر، وهو سن النضج، يسلّح بالسيف.
وبعد إتمام مراسم عقد الزواج، يوضع غطاءٌ أحمر على رأس العريس البجاوي، عند دخوله خيمته. وعند خلع الغطاء، يأتي أصحابه ليقوموا بالدوران حول الخيمة وضربها بالعصا أثناء ترديد مدائح وطقوس الفرح. والمتعارف عليه أن يقوم أصحاب العريس بتكسير الخيمة.
بعدها، يترك العريس البيت ويذهب ليقيم في خيمةٍ بجوار بيت أهل العروسة، ثم يبيت بعد الزواج كلّ يوم عند أحد من الأهل. وعند مغادرته في الصباح، يعطيه قريبه الذي بات عنده ماعزاً أو غنماً. ويتكرر ذلك يومياً لمدة شهر أو شهرين بعيداً عن زوجته. بعدها، يعود محملاً بتلك الهدايا ليبدأ حياته وزوجته.
وتتمتع المرأة عند البجا بمكانة مستمدة من عقيدتهم الآمونية القديمة وتقديسهم لربّتهم إيزيس. وتبرز تلك المكانة في قدرتها على إيقاف الحروب بين القبائل عبر مرورها وسط ميدان المعركة.
ومن البطلات البجاويات الشهيرات الفارسة الشهيرة توداي.