أمن دولي ـ مخاطر الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي
تثير الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، ومحاولات الانقلاب التي زعزعت استقرار غرب ووسط أفريقيا مخاوف بشأن مستقبل منطقة الساحل، وهي المنطقة التي أصبحت مركزاً للإرهاب على مستوى العالم. يشكل الانقلاب العسكري في النيجر تهديداً ليس فقط على الأمن الإقليمي ولكن على الأمن الدولي من خلال نشوب أزمة هجرة جديدة وتنامي أنشطة الجماعة المتطرفة والجريمة المنظمة.
الانقلابات العسكرية في دول الساحل الإفريقي
أصبحت النيجر ثالث دولة من دول الساحل تشهد انقلاباً منذ العام 2020 ، وذلك بعد الإطاحة بـ”محمد بازوم” رئيس النيجر في يوليو 2023. شهدت بوركينا فاسو انقلاباً عسكرياً على السلطة في البلاد في أكتوبر 2022، ويعد هو الانقلاب الثاني خلال ثمانية أشهر من نفس العام، كما شهدت مالي انقلاباً عسكرياً في العام 2020 بالقرب من العاصمة “بوماكو”، واحتجز خلال الانقلاب الرئيس “بوبكر كيتا” وعدد من الوزراء.
ما يجري في أفريقيا يمثل أحد أصعب التحديات التي يواجهها الأمن الإقليمي والدولي، حيث أضعفت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وأدت إلى تنامي بؤر الإرهاب وتوسيع نفوذ المتطرفين، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الانقلاب في مالي تسبب في تسليم (40%) من أراضي مالي إلى الجماعات المتطرفة. مكافحة الإرهاب ـ ما تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر ؟
توسع نفوذ الجماعات المتطرفة
تشير التقديرات الاستخباراتية إلى أن “داعش” غرب إفريقيا” بدأ بنقل جزءاً من مقاتليه من النيجر إلى الحدود مع نيجيريا، وسط مخاوفه من تدخل قوات “إيكواس” في النيجر وإغلاق حدود البلاد، ومن المتوقع أن يشكل تحركه هذا خطراً كبيراً على المنطقة بأسرها .
يمكن للانقلاب العسكري في النيجر أن يحوّلها إلى مسرح جديد للإرهاب، لا سيما أنها قريبة من معاقل “بوكو حرام” و”داعش” في نيجيريا. فعلى سبيل المثال، وقع أحدث هجوم شنته “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في التاسع من أغسطس 2023، ومن المرجح أن تصبح النيجر أيضاً ساحة أخرى للتنافس بين “داعش” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، مما يتسبب بالمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
يقول “أولف ليسينغ”، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في منطقة الساحل، إن هذا الانقلاب “سطر نهاية الوهم القائل بأن النيجر بلد مستقر للغاية ويمكنه تحقيق الاستقرار في بلدان أخرى في منطقة الساحل”. وأضاف أن “الجماعات الجهادية الناشطة في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو مثل داعش وما تُعرف بـ “حركة نصرة الإسلام والمسلمين” سوف تستفيد من الانقلاب” . فرنسا .. جهود مكثفة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي
مخاطر انقلاب النيجر على الأمن الدولي
يضاف إلى تحديات النيجر الأمنية، وجودها في الممر الرئيسي لتهريب المخدرات والسلاح عالمياً، إذ يمنح الانقلاب العسكري وعدم الاستقرار فرصة لعصابات التهريب الدولية التي تنشط بين القارات الأمريكية والأوروبية والآسيوية.
تعد النيجر ثاني أكبر مورد لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي، العام 2022، إذ تسلمت منه (2975) طناً، وهو ما يعادل (25.4 %) من إمدادات الاتحاد منه. أثار الانقلاب العسكري مخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على استيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية وتداعياته على أمن الطاقة في أوروبا.
علقت ألمانيا مساعداتها الإنمائية في النيجر بعد الإنقلاب العسكري، كما أن هناك قلق من فقدان الاتحاد الأوروبي لنفوذه في المنطقة، ما قد يزيد من قوة الجماعات المتطرفة، ويفتح الباب للهجرة غير الشرعية. ويبدو أن سيناريو وقوع موجة هجرة جديدة عبر سواحل ليبيا، وشمال أفريقيا صوب أوروبا أمر غير مستبعد، وأن يكون من بين المهاجرين متطرفون يشكلون تهديداً للدول الأوروبية، ويرجع ذلك لثلاثة عوامل على الأقل:
– أولاً: احتمال وقوع تدخل عسكري في النيجر واتساع حالة الفوضى بالمنطقة.
– ثانياً: عدم الالتزام باتفاقيات التعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة على الأقل في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على نيامي.
– ثالثاً: تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في النيجر، ما يزيد من تزايد التحديات والمخاطر الأمنية بالمنطقة.
مخاطر انقلاب النيجر على الأمن الإقليمي
يمثل الانقلاب العسكري في النيجر، والمخاوفُ من تعرضها لحالة من الفوضى والانفلات الأمني، خطورةً على العديد من الدول المجاورة، مثل الجزائر وليبيا، وأيضاً السودان وموريتانا، بحكم موقعها ضمن منطقة الساحل الأفريقي. ويمثل خطر تدفق المهاجرين، والجماعات المتطرفة عبر الحدود، الهاجس الأكبر لتلك الدول، إضافة إلى انهيار التعاون الاقتصادي والأمني لتلك الدول مع النيجر.
تداعيات الفوضى في ليبيا
تعاني ليبيا من الفوضى والأزمات المستمرة والمتتالية منذ عام 2011، حيث شهدت ليبيا حالة جديدة من الفوضى، وعدم الاستقرار في 15 أغسطس 2023 في مشهد يعيد حالة عدم الاستقرار إلى طرابلس. خلص تقرير أممي في 15 فبراير 2023 إلى أن حالة الفوضى التي غرقت فيها ليبيا منذ 2011 أدت إلى تدفق الأسلحة من الدولة الواقعة في شمال القارة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها وانتقال الجماعات المتطرفة إلى دول شمال غرب إفريقيا .
تقول “سيتفاني ويليامز” المستشارة الأممية السابقة إن “خطر “داعش” أصبح شديدا على البلاد حال العودة للانقسام والحرب، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية ضد الجيش”، كما عبرت عن قلقها الشديد من شبح رفع الرايات السوداء في الجنوب، بعد عملية قتل فيها عدد من جنود الجيش الوطني الليبي مطلع العام 2022.” لماذا التباين في القرار الألماني حول المشاركة في قوة الساحل الأفريقي ؟
أبرز الجماعات المتطرفة في الساحل الإفريقي
أصبحت منطقة الساحل الإفريقي بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار، ونقطة للصراع بين القوى العالمية، حيث حذرت الأمم المتحدة في 16 مايو 2023 من أن الوضع الأمني في منطقة الساحل لا يزال “مقلقاً للغاية”. تواصل الجماعات المتطرفة شن هجمات واسعة النطاق ضد أهداف مدنية وعسكرية، والانخراط في مواجهات للوصول إلى الموارد وفرض السيطرة الإقليمية والنفوذ، ومن المتوقع أن يتوسع انعدام الأمن نحو بلدان غرب أفريقيا الساحلية.
تعتمد الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي على مقاتليها المحليين في مناطق عملها وفي تنسيق الهجمات الإرهابية. وتختلف أماكن انتشار الجماعات المتطرفة ومساحات تحركها وتمركزها. وتشكل منطقة الساحل مصدر قلق في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية، وفي المرتبة الأولى من حيث عدد الضحايا خلال شهر يوليو 2023 ؛ إذ شهدت (9) هجمات إرهابية، أي بما يعادل (26.5%) من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة خلال الشهر، خلفت (126) قتيلاً .
أبرز الجماعات المتطرفة الساحل الإفريقي:
– جماعة “بوكو حرام”: تأسست جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا عام 2002، تنشط في شمال نيجيريا، ويعد “أبو بكر قناي” أحد كبار قادة الجماعة.
– جماعة “أنصار الدين”: تأسست جماعة “أنصار الدين في مالي عام 2011، تعد أكبر الجماعات المتطرفة في إقليم “أزواد”.
– جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”: أسست في عام 2017 تضم جماعة “أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم المرابطون وجناح الصحراء “، تنشط في منطقة الساحل والصحراء، يقودها “إياد أغ غالي”.
– “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”: تأسّس في يناير عام 2004، بعد تغيير اسمه من الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ومن أبرز القيادات “أبو عبيدة يوسف العنابي”.
– جماعة “الجهاد والتوحيد”: تأسّست في أكتوبر عام 2011 تنشط في غرب أفريقيا، ومن أبرز القيادات “محمد ولد نويمر” الموريتاني “حمادة ولد الخيري” ، و”عدنان أبو وليد الصحراوي”.
– “داعش في الصحراء الكبرى”: تأسّس في مايو عام 2015، وينشط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ومن أبرز القيادات “يوسف ولد شعيب”، “أمية أغ البكاي”، “واندين اغ المنير” الملقب (أبو هريرة)، و”دادي ولد شوعب”.
تقييم وقراءة مستقبلية
– تصنف منطقة الساحل الإفريقي بالأخطر عالمياً، حيث شهدت تنامي لأنشطة الجماعات المتطرفة، والعمليات الإرهابية في المناطق الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
– تتجاوز تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر المرتبطة بأنشطة الجماعات المتطرفة، لتشمل أنشطة عمليات تهريب البشر من غرب أفريقيا إلى ليبيا وتونس.
– تعد النيجر مورداً رئيسيا لليورانيوم، حيث تلبي احتياجات فرنسا من اليورانيوم، وخمس احتياجات الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه أن يثير المخاوف بشأن أمن الطاقة في أوروبا، بالتزامن مع أزمة الطاقة بسبب حرب اوكرانيا.
– من المستبعد التدخل العسكري رغم تهديدات “إيكواس”، حيث أن التجارب تقول عند اندلاع الحرب لا نعرف متى تنتهي، كما أن الفوضى الناتجة عن تدخل “إيكواس” ممكن أن تؤدي الى حرب أهلية.
– ما زالت تجربة الانقلابات العسكرية في السودان شاخصة وانهيار الدولة الليبية أيضاً لا تشجع على التدخل العسكري، فقد تسببت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا إلى تدفق الأسلحة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها.
– بات محتملاً نشوب صراع داخلي بين الجماعات المتطرفة في النيجر، نظراً إلى وجود فروع لكل من تنظيمي “القاعدة” و”داعش” على أراضيها. من المرجح أن تنشب أزمة هجرة جديدة من نقاط العبور الرئيسية للهجرة غير الشرعية صوب أوروبا عبر البحر المتوسط وتنامي الجريمة المنظمة.