الشاب الشهيد إبراهيم مجذوب تم إعدامه خارج القضاء، أو خارج نطاق القانون، إثر إصابته بعيار ناري في الصدر بيد ضابط شرطة أثناء تفريق احتجاجات ثوار الخرطوم الاسبوع الماضي. وحسب المبادئ القانونية المتوافق عليها دوليا، فإن القتل، أو الإعدام، خارج نطاق القضاء، هو قتل شخص على أيدي سلطات حكومية أو أفراد دون موافقة قضائية مسبقة أو إجراء قانوني. وبتاريخ 24 مايو/ 1989، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتّحدة دليل منع ممارسات تنفيذ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والذي يلزم الحكومات بأن تحظر، بموجب القانون، «جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وتكفل اعتبار هذه العمليات جرائم بموجب قوانينها الجنائية، ولا يجوز التذرع بالحالات الاستثنائية، بما في ذلك حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي حالة طوارئ عامة أخرى، لتبرير عمليات الإعدام هذه، كما لا يجوز تنفيذ عمليات الإعدام هذه أيا كانت الظروف، حتى في الظروف التي تضم، علي سبيل المثال لا الحصر، حالات النزاع المسلح الداخلي، وحالات استخدام القوة بصورة مفرطة أو مخالفة للقانون من جانب موظف عمومي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، أو من جانب شخص يعمل بتحريض أو بموافقة صريحة أو ضمنية منه، وحالات الوفاة أثناء الاحتجاز. ويكون هذا الحظر أقوى في مفعوله من المراسيم التي تصدرها السلطة الحكومية». وحسنا فعلت النيابة العامة السودانية عندما سارعت بالكشف عن اكتمال إجراءات تشريح جثمان الشهيد وفتح بلاغ القتل العمد ضد ضابط الشرطة المتهم بارتكاب الجريمة، والشروع في استجوابه بعد رفع الحصانة عنه. وهنا نتوقف عن الخوض في القضية مادامت أصبحت بين يدي الأجهزة العدلية، وننتظر أن تنتصر العدالة. لكنا لن نخفي قلقنا وتخوفنا من ظاهرة الإفلات من العقاب، علما بأن عدد شهداء الاحتجاجات منذ إنقلاب 25 أكتوبر/ 2021 ارتفع إلى 125 شهيداً، وآلاف الإصابات، ومع ذلك أصاب الخرس لجان التحقيق التي أعلن عن تشكيلها، ولم يُقدم الجناة إلى المحاكمة.
يحتجون سلميا. وهي جرائم متوقعة تماما، ولن تتوقف، مادام انتصار ثورة السودان لايزال حتى اللحظة جزئيا وغير مكتمل لأنه لايزال عند محطة الإطاحة بالغطاء السياسي لنظام الإنقاذ، بينما جسد النظام باق ينخر في عظام الثورة وينسج خيوط غطاء سياسي بديل، لينقض ويحكم من جديد بقوة الدم المسفوح.
لكن التصدي لهذا النوع من الجرائم المرتكبة بواسطة عناصر نظامية يفترض أن تكون على قدر من التعليم والثقافة والوعي، يحتاج إلى علاج أعمق من المحاسبة والمساءلة. والمدخل هو إصلاح جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى بتنقيتها من المجموعات المؤدلجة والفاسدة، وإعادة هيكلتها لتتواكب وأهداف الثورة المجيدة. وبعد ذلك، يأتي إطلاق مبادرات إعادة الثقة بين هذه الأجهزة وشباب الثورة. فهولاء الشباب لايزالون، ومنذ كارثة فض الاعتصام، يعانون مأساة العنف القاتل الذي واجهت به الأجهزة الأمنية مواكبهم السلمية. وذاكرتهم ستظل تختزن تفاصيل هذه المأساة، لن تغادرها، ولا ينبغي لها، حتى يتحقق العدل.
السودان اليوم يمر بأخطر المنعطفات وأشدها وعورة، وفضاؤه يظل مفتوحا على كافة الاحتمالات، بما فيها الأشد رعبا. فنحن نعاني هجمات الثورة المضادة المستقوية بكتائب الموت وعناصر الدولة العميقة، وبإثارة النعرات القبلية والعشائرية الضيقة، لتطأ أحلام الشعب جهارا نهارا، وتقود السودان إلى كارثة أخرى. وصحيح أن هذا الوضع يتطلب إعلاء صوت الحكمة مثلما يتطلب الإسراع في إنجاز وإنجاح العملية السياسية والتقدم من خلالها بمشروع وطني يسع كل من شارك في الثورة، من لا يعاديها أو يحاربها. لكن أي عملية سياسية، إذا لم تضع نصب عينها درء هذا المخطط وترسي في البداية وقبل كل شيء، دعائم سيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وإزالة التمكين، فستكون نوعا من العبث. كما أن أي مشروع وطني لا يمكن أن يمر هكذا وبكل بساطة فوق جثث شهداء الثورة، ويتجاهل جرائم الإنقاذ، فطريقه الوحيد هو تحقيق العدالة.