النظر في اقتصاد الاحزاب السودانية او الاقتصاد الحزبي وفحص مجالاته، وآليات عمله، وخططه، وافكاره المستقبلية يقود مباشرة الى الرؤيا التي تطمح الاحزاب ادارة اقتصاد الدولة بها وعبرها. وبالتمعن في حيثيات هذا النوع من الاقتصاد الخبيث سوف نكتشف ان اغلبه يرجئ (معركته) الاقتصادية او بالأحرى مغامرته القادمة بالاقتصاد الى حين الاستيلاء على الدولة واستباحة اقتصادها وتخليطه بالاقتصاد الحزبي من مداخل المحاباة والتواطؤ ورد الاتعاب للرأسماليين الحزبيين الذين غالبا ما يصرفون في مراحل المقاومة السياسية وكذلك الانتخابات الحزبية على احزابهم ويوفرون لها الاموال على شاكلة الديون المطلوبة على وصفة الدفع الآجل لها بسعر الفائدة المضاعف. سوق السياسة السودانية بكل احزابه ولاعبيه وقواعد لعبته يتحرش بصفة مركزية ودائمة باقتصاد الدولة وريعها بغرض نهبه وسرقته، الامر الذي يستوجب وضع قوانين رادعة في الدستور الدائم (المفترض) لمنع تكرار هذا السلوك المشين الذي يقدح في أصل الفكرة من الممارسة السياسية السودانية التي تتحايل بطرق غميسة على اقتصاد الدولة فتعمل وباسم الديمقراطية وأحيانا استعادتها لضرب الديمقراطية الاقتصادية كروح للدولة في مرحلة الانتقال الديمقراطي ومرحلة الديمقراطية السياسية ذات نفسها. ابعد من ذلك فان الاحزاب التي تصعد للحكم على اكتاف (الجماهير) وتستخدمها للفوز بالمقاعد البرلمانية لا تتوانى بعد حين من سرقة نفس الجماهير وحرمانها من الاستمتاع بموارد وخيرات بلدها، بل تساهم اغلبها وحين صعودها للسلطة في المزيد من طحنها وافقارها بمسميات سياسية كثيرا ما تبدو خادعة عند التحليل الدقيق لمحتواها وعائد الفائدة للشعب او الشعوب السودانية والطبقات المسحوقة منها. السودان احوج ما يكون الان وبجانب العمل البطولي لإزالة الانقلاب واستعادة الحياة الديمقراطية الى اقامة ورش عمل متخصصة في الاقتصاد وبواسطة الكفاءات السودانية في الاقتصاد والمنتشرة في شتى انحاء العالم لوضع التخطيط الاقتصادي المطلوب للتنمية الاقتصادية والنهوض من الكبوة التي اورثتنا لها سياسة رزق اليوم باليوم. كتابة الدستور الدائم للسودان تمثل الترياق المضاد للفوضى السياسية ومحاسبة كافة المؤسسات والافراد الذين يستهدفون عافية وصحة الدولة بإصابة قوامها وانتهاك قوانينها. وبذا تصبح الحيلولة دون وقوعها ذلك في انشاء آلية قانونية مستقلة تراقب عمل الاحزاب والقوى الحاكمة في علاقتها بالمال العام والوظيفة العامة واقتصاد الدولة الذي يجب الا يتأثر بسؤال من الحاكم ولكن كيف يقدم مثلا ومثالًا تطبيقيا حيا في تنمية الاقتصاد بالطرق والوسائل الوطنية النزيهة التي تخضع قبل كل شيء لسلطة القانون الذي يجب الا يكون هنالك كبيرا عليه.