إفريقيا على طريق الحرير
خلال فترة الاستعمار، كانت القارة الأفريقية بمثابة محمية خصبة تابعة للدول المستعمرة، وكانت مستودعاً للمواد الخام لحشد الموارد الأولية و توفير اليد العاملة الرخيصة والجنود. وفي فترة ما بعد الإستقلال عقب الحرب العالمية الثانية ، لم يتغير الواقع الإفريقي في الغالبية العظمي من الدول التي استقلت في فترة خمسينات وستينات القرن الماضي ، بل آلت الأمور للأسوأ من تخلف وفقر وجهل ومرض وإفتقار للخدمات الأساسية. بل واشتعلت الحروب في كل ركن من أركان القارة ، بسبب الحدود والمشاكل التي خلفها الإستعمار الغربي.وأعتمدت القارة على إقتصاد المعونات والمساعدات الدولية المشروطة ، خاصة في فترة ما عرف بالحرب الباردة .
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأوربية، حاولت دعم الدول الإفريقية وخاصة الدول جنوب الصحراء مع بداية التسعينات، إلا أن الشراكة بين الولايات المتحدة وأوربا لم تستطع معالجة أزمات المنطقة وبناء قوة تنموية من خلال الدعم والتدريب وتأسيس بنيات تحتية تشيع قدرا من الأمن و الاستقرار وترفع مستوى المعيشة في هذه الدول وتعوضها ما حاق بها في فترة الإستعمار من نهب وغل وإستغلال. صحيح أن أمريكا لوحدها انفقت في إطار هذه الخطة التنموية حوالي نصف تريليون دولار، موجهة للبلدان الأفريقية كمساعدات إنسانية مباشرة، وخصصت أكثر من مائة أربع وثلاثون مليار دولار للقارة الأفريقية فقط في سنة 2014، على شكل استثمارات ومساعدات وقروض، علاوة على تبرعات الشعب الأمريكي ومنظماته الإنسانية، المقدرة بمليارات الدولارات.()
على نفس المنوال، قدم الاتحاد الأوروبي ما يقارب مائة مليار دولار لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء كمساعدات طوال العقدين الأخيرين، منها 3.8 مليار دولار فقط خلال 2015. دون ذكر قروض مشاريع التنمية بأفريقيا، الممولة من قبل المؤسسات المالية العالمية، والتي تقدر بمليارات الدولارات.()
بيد أن كل هذه المساعدات الدولية المقدمة لدول القارة الأفريقية لم تخلق تنميةً، حيث ما تزال معظم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعاني الهشاشة، نتيجة ضعف سجل مؤسسات الدولة في توفير الخدمات الأساسية، سواء بسبب عدم القدرة على أداء وظائف الدولة الأساسية، أو عدم إعطائها الأولوية الواجبة. بالإضافة إلى أن معظم اقتصادات الدول الأفريقية، ما يزال يعتمد على المساعدات الدولية بشكل أساسي.
الصين : رؤية سياسية وإقتصادية جديدة تجاه إفريقيا
عرفت العلاقات الصينية-الإفريقية خلال السنوات العشرين الماضية، تطورات منقطعة النظير في تاريخها الحديث والمعاصر. وعلى الرغم من أن الوجود الصيني بإفريقيا ليس جديدًا ولا وليد العقدين الأخيرين، فإنّ حجم وطبيعة هذه العلاقات قد تغيَّرا -وإلى حد بعيد- منذ بداية تسعينات القرن الماضي. ولعل الشاهد الأساس على ذلك إنما يتمثل في سنّ السلطات الصينية من تاريخه لـ”سياسة إفريقية جديدة”، لم يكن الغرض منها فقط الاستجابة لحاجياتها الاقتصادية المباشرة والمتزايدة، بل أيضًا لمواكبة الصعود الصيني المتسارع على الساحة الدولية، وزنًا اقتصاديًّا ونفوذًا جيوستراتيجيًّا. و أبدت الصين مرونةً خارج حدودها الجغرافية واستطاعت بالاستفادة من الخلفية التارخية لأفريقيا والتجارب السابقة لها مع المستعمرين الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من الولوج إلى العمق الأفريقي والتواصل مع المجتمعات الأفريقية والتركيز على الجانب الاقتصادي وحيازة الثقة عن طريق المشاريع الاجتماعية وخلق فرص العمل لتشغيل الأيدي العاملة هناك، وأثبتت الصين أنّ توجهها نحو افريقيا، كان خيارًا إستراتيجيًا لما تحملهُ القارة من استثمارات واعدة وموارد هائلة.
التبادل التجاري الصيني-الإفريقي
يشمل التصدير الصيني لإفريقيا أجهزة ومعدات خاصة بالمواصلات (مركبات)، وبضائع كهربائية ومُصنَّعة (مولدات، ماكينات للمصانع والاتصالات)، ومواد كيمائية، وزيوت ووقود معدني. في عام 2012، وصل منسوب تصدير المنتجات الميكانيكية التي تشكل جزءًا من إجمالي صادرات السلع الصينية لإفريقيا 45,9%. وتبلغ صادرات الصين الزراعية لإفريقيا الآن 2,49 مليار دولار، وذلك بمعدل زيادة نسبته 57,6% منذ 2009. أما صادرات إفريقيا للصين فتشمل الوقود المعدني والزيوت (تمثل 70%من الإجمالي)، ومواد خام (عدا الطعام والوقود)، والبضائع المصنعة، والمواد الكيميائية، والمعادن النفيسة، والحديد والصلب، والألمونيوم والقطن، والمطاط، والسمسم، والفول السوداني والكاكاو والدهون الحيوانية والنباتية والنفط. وأكبر الدول التي لها علاقات تجارية مع الصين هي كينيا ومصر وأنجولا ونيجيريا وجنوب إفريقيا (جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وغانا، وتنزانيا، وزامبيا، وإلى حد أقل بنين، وتوغو، وليبيا، والجابون، والسودان). وتستحوذ الدول الخمسة الأولى على 50% من صادرات الصين لإفريقيا. وباستثناء جنوب إفريقيا، كل الدول المشار إليها غنية بالموارد الطبيعية، وعليه فلها وضع البنود الرئيسة في أي اتفاق بشأن قطاعي التجارة والاستثمار، والاهتمام العام بالموارد الطبيعية في التفاعل الاقتصادي الصيني الإفريقي. ويُعزى كثير من الزيادة في التجارة (صادرات إفريقيا) مع الصين إلى زيادة في المزودات النفطية (نسبة المزودين الأفارقة للصين تبلغ 25% من واردات الصين من النفط، ويمثل النفط حوالي 70% من الصادرات للصين. ()
وقد بلغت الصادرات الصينية إلى الدول الافريقية 92.2 مليار دولار أمريكي، في حين بلغت الواردات الصينية من افريقيا 56.9 مليار دولار أمريكي في عام 2016.()
الإستثمار الإفريقي في الصين:
مكون الاستثمار للتفاعل الصيني الإفريقي ليس خطيًّا؛ فالشركات والحكومات الإفريقية بدأت الاستثمار في قطاعات مثل صناعات البتروكيميائيات، والتصنيع والمعالجة والبيع بالجملة والمفرّق في الصين. وبحلول عام 2012 بلغ إجمالي استثمار الدول الإفريقية في الصين 14,242 مليار دولار، مما يعني أنه زاد بنسبة 44% عن مستويات الاستثمار في عام 2009. وتعد موريشوس، وسيشيل وجنوب إفريقيا ونيجيريا من بعض أكثر البلدان الإفريقية استثمارًا في الصين.()
أشكال الإستثمار الصيني في إفريقيا:
ويأخذ الاستثمار الصيني أشكالاً عدة بما فيها الاستثمار المباشر في التصنيع واستكشاف النفط والغاز واستخراج المعادن، والقروض الامتيازية لتطوير البنية التحتية (تمويل). وكان ازدياد الاستثمار الصيني في إفريقيا واحدًا من الأولويات المتفق عليها والتعهدات التي تم الإعلان عنها في قمة (فوكاك) في بيجين عام 2012، وأدت إلى تأسيس صندوق التنمية الصيني الإفريقي (كادف) كآلية لتنفيذ السياسة من أجل تشجيع الاستثمار الصيني في إفريقيا. وبحلول نهاية عام 2012، وافق (كادف) على استثمار 2.385 مليار دولار في 61 مشروعًا في 30 بلدًا إفريقيًّا، هذا إضافة إلى 1.806 مليار دولار تم استثمارها من قبل في 53 مشروعًا عبر إفريقيا
وترى الصين أن للتصنيع في إفريقيا موقعًا مهمًّا في مشروعها الاستثماري ، حيث انتقل من 1.33 مليار دولار (2009) إلى 3.43 مليارات (2012). كما ترى الصين بأن النسق الذي تتبناه في استثمارها في التصنيع منتشر بشكل متساوٍ عبر البلدان الغنية بالموارد والبلدان الفقيرة الموارد. ومن ذلك، استثمرت الشركات الصينية في مصانع تنقية السكر في مالي، كما أسست مصانع زجاج، وفرو، وحبوب طبية، ومصانع سيارات في إثيوبيا، واستثمرت في النسيج ومشاريع تصنيع أنابيب الصلب في أوغندا. ومع ذلك فإن معظم الاستثمار الصيني الخارجي المباشر يركز على القطاعات الاستراتيجية مثل النفط واستكشاف المعادن ومشاريع بُنى تحتية تنفذها شركات صينية تملكها الدولة .()
التمويلُ في مجال البنية التحتية:
التمويلُ في مجال البنية التحتية باعتباره شكلاً من أشكال الاستثمار، سريعُ النمو ويتبدى ذلك في شراكة أكثر من 35 بلدًا إفريقيًّا مع الصين في مجال تمويل البنية التحتية وترتيبات بشأن التنمية، كما يتبدى في قيمة الالتزام الصيني المالي تجاه تلك المشاريع التي ارتفعت من مليار دولار عام 2003 لتصبح 7,5 مليارات عام 2008. وفي عام 2012، أنجزت الشركات الصينية عقود مشاريع بناء بقيمة 40.83 مليار دولار في إفريقيا، وتلك زيادة بنسبة 45% عن عام 2009، وذلك يمثل 35.02% من عقود الأعمال الصينية الخارجية الناجزة. .()
ويتم تمويل نسبة كبيرة من الاستثمار الصيني في البنية التحتية الإفريقية من خلال قروض امتيازية من الحكومة الصينية والبنوك الصينية. وتعد إفريقيا ثاني أكبر سوق لديه عقود مع الصين منذ عام 2009. وتشمل قطاعات الاهتمام الكهرباء، والمواصلات، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. وبعض أكبر المستفيدين من ذلك هم نيجيريا، وأنغولا، وإثيوبيا، وجنوب إفريقيا، والسودان، وزامبيا، والجزائر. كل هذه البلدان غنية بالموارد الطبيعية (ما عدا جنوب إفريقيا) وهم شركاء رئيسيون في التجارة مع الصين، وعليه فمن المقترح أن يكون هناك استراتيجية بشأن احتياجات الصين من المصادر الطبيعية، والتجارة والنشاطات الاستثمارية في صناعة الاستخراج بإفريقيا.()
إنها إذًا علاقة أخذ وعطاء ومنفعة مشتركة، وتلك هي الأسس المنطقية التي تُبنى أو يجب أن تُبنى عليها العلاقات بين الدول ؛ وهو نموذج جديد من العلاقات بين الدول النامية والقوى الكبرى وصفه بيان بكين الصادر عن القمة الصينية-الإفريقية عام 2006 بأنه “نموذج يقوم على أساس التكافؤ، والمنفعة المشتركة، واحترام التنوع الثقافي بين الدول بغضّ النظر عن حجمها، ويسعى إلى تنسيق المواقف في المحافل الدولية لإصلاح الأمم المتحدة والتأسيس لعالم أكثر عدلاً وبعيدًا عن هيمنة القطب الواحد”.()
هذه الأهمية والمصالح المتبادلة بين الصين وإفريقيا دفعت الجانبين إلى إنشاء منتدى التعاون الصيني-الإفريقي عام 2000، والذي شكّل قوة زخم ودفع جديدة للعلاقات الثنائية القائمة بين بكين وكل دولة على حدة، وكذلك إحدى الآليات المهمة في تعزيز العلاقات بين الصين ودول القارة مجتمعة.
كما أصبحت الصين خلال السنوات الأخيرة مساهمًا أساسيًّا في جهود المساعدات الممنوحة لدول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغ الدعم الصيني للقارة الأفريقية في العام 2015، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، ستين مليار دولار، موجهة لتمويل مشاريع قطاعات الاتصالات، والنقل، والتخزين، والطاقة، والبنية التحتية.()
أهمية التعاون العلمى في علاقات الشراكة
كما يعد التعاون العلمى جزءا هاما من علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية الافريقية الجديدة. وهو في طليعة جهود المساعدات الممنوحة لاجل دفع التعاون العلمى الصينى الافريقى بصورة متزايدة، والسعى الى التنمية المستدامة المشتركة بين الصين وكافة الدول الافريقية، إن برنامج الشراكة العلمية الصينى الافريقى يدفع بالتعاون الصينى الافريقى. وتحت اطار هذا البرنامج، سيتم اختيار الميادين العلمية وثيقة الصلة ذات الاهتمام المشترك بمعيشة الشعب الاجتماعية والاقتصاد الوطنى، بما فى ذلك تظاهرة التكنولوجيا وتطويرها، والبحوث المشتركة، وتقنيات التدريب، وبحوث السياسات، واشكال التبرعات بالاجهزة العلمية.
منتدى التعاون الصيني الأفريقي
منتدى التعاون الصيني الإفريقي يعتبر قفزة نوعية وضعت العلاقات الإقتصادية بين الصين وإفريقيا في مجراها الصحيح على قاعدة الكل يكسب أو المنفعة للجميع ، وقد تم تأسيسة في بكين في عام 2000 ، قبل إعلان مبادرة الحزام وطريق الحرير، والآن يشكل الإطار العام الذي يحتوي العلاقات الصينية الإفريقية وفق فلسفة وموجهات مبادرة الحزام وطريق الحرير التي إحتوت النقطتين الأساسيتين التي خرجت بهما أشغال المؤتمر الوزاري الأول للمنتدىبهدف تعميق التعاون لتحقيق التنمية الاقتصادية ومواجهة تحديات العولمة.
تمحورت أشغال المؤتمر الوزاري الأول للمنتدى حول نقطتين أساسيتين، هما: ()
كيفية المساهمة في إرساء نظام سياسي واقتصادي دولي جديد للقرن الحادي والعشرين.
كيفية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا في إطار السياق الجديد.
واتفق المؤتمرون على ضرورة إرساء نمط جديد من الشراكة بين الدول الأعضاء تقوم على الاستقرار والمساواة والمنافع المتبادلة، وتبنى المؤتمر وثيقتين رسميتين، هما “إعلان بكين” و”برنامج التعاون الصيني الأفريقي من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.منذ نشأة المنتدى تطور حجم المبادلات التجارية بين الطرفين من 10.6 مليارات دولار عام 2000 إلى 201.1 مليار دولار عام 2014، مما يجعل الصين الشريك التجاري الأول للقارة.كما شهدت الاستثمارات الصينية في أفريقيا انتعاشة كبيرة بعد العام 2000 بلغت 30 مليار دولار في العام 2014، أي أكثر من 60 مرة عما كان عليه الأمر في العام 2000، وتعهدت الصين بزيادة هذا المبلغ إلى حوالي مئة مليار دولار أميركي بحلول العام 2020. ووصل عدد المقاولات الصينية العاملة بأفريقيا إلى 2500 مقاولة توفر مئة ألف فرصة عمل.
وفي الوقت الحاضر: يلعب منتدى التعاون الصيني الإفريقي دورا محوريا ورياديا في وضع الإطار العام والاتجاه الرئيسي والتخطيط الكلي لتطوير العلاقات الصينية الإفريقية بالرؤية المستقبلية والروح العملية تلبية للرغبة الصادقة والمشتركة لدى الجانبين لدفع هذه العلاقات للمضي قدما..
وقد حمل هذا المنتدى في دورته السادسة في جوهانسنبرغ تقديم الصين 60 مليار دولار قروض ومساعدات للقارة على مدى 3 سنوات، وتم إطلاق خطة عمل 2016- 2018 (خطة عمل جوهانسنبرغ) التي تعكس الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين وتعزيز التعاون بينهما في كافة الأصعدة التي تتناول المجالات السياسية والاقتصادية (الاستثمار المالي وتشييد البنى التحتية والتصنيع والقدرة الإنتاجية والرعاية الصحية) والأمنية والتنمية الاجتماعية والثقافية والعلاقات على المستوى الشعبي والتعاون الدولي.()
ويلقى النشاط الاقتصادي والمساعدات الصينية قبولاً في إفريقيا لثلاثة أسباب ()
الأول: هو تاريخ الاستعمار ورغبة إفريقيا في حماية فعالة لاستقلالها السياسي.
الثاني: هو تفضيل القادة الأفارقة لأنظمة وسلطات سياسية مركزية، وليس مثل الأنظمة الغربية القائمة على النظام الديمقراطي التفويضي الذي تفضله الحكومات الغربية.
الثالث: هو ما تعرضه الصين على القادة الأفارقة من مسارات بديلة للتنمية، ليس فيها مجال للهيمنة الخارجية.
الحقيقية أن عدم ظهور نتائج واضحة لمجهودات التنمية والمبالغ الضخمة التي تم ضخها ، أدى لجدل عميق وسط المخططين الاقتصاديين ومتخذي القرار والاقتصاديين بصورة عامة عن الأسباب الكامنة وراء ذلك . إتفق معظم الاقتصاديين وبينهم إنجيس دايتون الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد أن ” أن دعم أفريقيا بدأ منذ 1960، واستمر لمدة طويلة أكثر مما يجب، حتى أصبحت اقتصادات تلك مرتبطة بشكل وثيق بالمساعدات، مما حدَّ من قدراتها على الإنتاج والنمو، حيث تظهر البيانات أن البلدان الأكثر استلامًا للمساعدات في الغالب هي الأقل نموًا، والعكس صحيح.”()
عوامل بارزة تسهم في تعطيل التنمية في أفريقيا: ()
يوضح تقرير التنمية، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، حجم مظاهر التخلف بالقارة الأفريقية، سواء على مستوى مؤشر الدخل أو الصحة أو التعليم أو القانون؛ مما يجعل المنطقة الأفريقية وكرًا لصور الفقر والمرض والعنف والحروب الأهلية.()
تتسبب الحروب الأهلية والهجمات التخريبية في تدمير فرص الاستثمار، وتعطيل المشاريع، وإفساد البيئة اللازمة لتواصل الكفاءات مع المستثمرين، الأمر الذي يفقد الناس وظائفهم، ويعطل عمليات الإنتاج والنقل والتصدير، ويضعف مؤسسات الدولة.
وفي غياب الاستقرار السياسي لدى كثير من البلدان الأفريقية، إما بسبب الحروب الأهلية والصراعات السياسية ، تخسر هذه الدول فرص النمو المتاحة أمامها، وتضيع جهود المساعدات الإنسانية في ترميم خساراتها المادية والبشرية الناتجة عن الصراع والعنف.
تتركز معدلات الفساد الأكثر شدة بالقارة الأفريقية، وحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي)، حيث تسيطر نخبة أفريقية صغيرة على مقدرات شعوبها، وترى المناصب السياسية والإدارية مصدر اغتناء وجمع الثروة، وكثيرًا ما تظهر أسماء الزعماء السياسيين الأفارقة سواء ضمن تسريبات مهربي الأموال، أو في لائحة المطلوبين دوليًّا بتهم الفساد المالي.() ولأن الفساد يشل عمل دواليب الدولة، فإن أجهزة البلدان الأفريقية لا تستغل المساعدات الإنسانية بطريقة فعالة، وعوض ذلك تلتهم فئة قليلة الدعم الممنوح لمصلحتها الشخصية، دون أن يصل أثره للخدمات العمومية المقدمة للمواطنين.
تنتشر معدلات الأمية بشكلٍ شائع في البلدان الأفريقية، وتعجز الكثير من الأسر على توفير الوصول التعليم الأساسي لصالح أطفالها، في ظل غياب دور الدولة، كما تعاني الدولة نفسها من نقص في الكفاءات المتخصصة . بينما تحتاج التنمية إلى التعليم والمعرفة، للقدرة على الإنتاج والابتكار والتطوير، الأمر الذي تفتقده الشعوب الأفريقية فتستمر في دوامة غير محدودة من مشكلات التنمية، وتسيئ استغلال أموال المساعدات الدولية في مشاريع يمكنها ضمان مردود مستمر.
ويبدو أن البلدان المانحة تنبهت خلال السنوات الأخيرة لضعف فائدة المساعدات الدولية في تغيير واقع أفريقيا؛ مما جعلها تفتح الباب أمام المؤسسات البحثية، ومراكز التنمية للبحث عن مقاربة جديدة لغرس التنمية بالقارة الأفريقية.
وكان تقرير الاتحاد الأوروبي، المعد من قبل مجموعة من الهيئات والخبراء، إحدى هذه المحاولات الحثيثة لفهم معمق حول أسباب هشاشة دول أفريقيا المستمر، على الرغم من المساعدات الدولية، والذي خرج بتوصيات تنصح المجتمع الغربي في إطار جهوده لتطوير القارة الأفريقية، بتقوية أجهزة الدولة، وبناء آليات المحاسبة والمساءلة.وبالتوازي مع ذلك، يحث التقرير على تعزيز قدرة المجتمع المدني على الانخراط في جهود بناء الدولة الموحَّدة، وضرورة تبني هياكل، وعمليات سياسية، واقتصادية تعكس تاريخ المنطقة، وتعقيد، وخصوصية شعبها، وبيئتها، بالإضافة الوصول لآليات تضمن صرف المساعدات الإنسانية المقدمة في مسارها الصحيح، لتوفير حاجات السكان الأساسية.
الإخفاقات التنموية تؤدي إلى تراجع التمويل التنموي الغربي:
تراجع التمويل التنموي الغربي، بعد الإخفاقات التنموية في العديد من البلدان النامية، لذلك النمط من التمويل المشروط بوصفات التغيير الهيكلي والاشتراطات الاقتصادية.
نماذج من التمويل الصيني في إفريقيا: ()
من خلال استعراض نماذج من التمويل التنموي الصيني في إفريقيا، تظهر المفارقات بينها وبين مثيلاتها من الشركات الغربية، من حيث التكلفة والجدوى.
غانا: انخفاض التكاليف..القروض المدعومة بالسلع
في عام 2007 تم توقيع اتفاق بين الصين وغانا على بناء محطة للطاقة الكهرومائية بطاقة 400 ميغاواط على سد بوي في غانا، من خلال قرضين منفصلين من بنك التصدير والاستيراد الصيني، الأول: لشراء المعدات الصينية بقيمة 292 مليون دولار، والثاني: بقيمة 270 مليون دولار بسعر فائدة ثابتة قدرها 2% (قرضاً بشروط ميسرة.
أما سداد القرض فيكون من خلال مبيعات تصدير حبوب الكاكو للصين بمعدل 40 ألف طن سنوياً خلال فترة القرض المحددة بـ 20 عاماً، وتم الاتفاق أن الإيراد الصافي من مبيعات الكهرباء سيوضع في حساب لضمان المساعدة على سداد القرض. حيث إن سعر الكهرباء المستقبلية ستتراوح بين 3,5-5,5 سنتاً للكيلو واط الساعي، في المقابل كان وسطي تعرفة الكهرباء في إفريقيا وفقاً للبنك الدولي 13 سنتاً للكيلو واط الساعي، وبالتالي، إن المشروع سيخفض التكلفة إلى أكثر من الضعف.()
الكونغو: الحلول الصينية مقابل عقبات التمويل
خلال الفترة 2007-2008 تم الاتفاق على تقديم حزمة تنموية بقيمة 6,2 مليار دولار لجهورية الكونغو الديمقراطية، قرض لمشاريع البنية التحتية وإعادة البناء بقيمة 3 مليار دولار، بالإضافة إلى 3,2 مليار دولار لمشروع التعدين المشترك (منجم النحاس والكوبالت) منها 1,1 مليار قرضاً دون فوائد، 2,1 مليار دولار قرض بسعر فائدة متغير قدره 6,1%.
شمل قرض البنية التحتية : 3402 كم من الطرق المعبدة، وبناء وتأهيل 3213 كم من السكك الحديدة، وبناء وتجهيز 145 مركزاً صحياً، 31 مشفى، و5000 وحدة سكنية منخفضة التكلفة، وجامعتين، وغيرها من المشاريع.
التنفيذ كان من خلال شركة مشتركة (شركة سيكومينس)، الموزعة 32% للكونغو_ و68% للشركات الصينية، وستستخدم الأرباح من استثمار سيكومينس في مشروع التعدين لتسديد القروض، ولتمويل تكاليف تطوير المنجم ومشاريع البنية التحتية الأخرى.
في البداية لم يسمح لجمهورية الكونغو الديمقراطية بقبول التمويل غير الميسر، كأحد الشروط المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ضمن إطار القدرة على تحمل الديون، مما دفع الصين لتقديم منح بنسبة 42- 64% من قرض البنية التحية، وبالتالي إدراجه ضمن التمويل الميسر، فوفقاً لصندوق النقد الدولي أيّ قرض لبلد ما بعد مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ينبغي أن يتضمن عنصر منح على الأقل بنسبة 35 %.بالإضافة إلى ذلك معدلات الفائدة الصينية كانت أقل من المعدلات المقدمة من البنوك الأوروبية بين 1-2 درجة.()
تجربة جمهورية تشاد مع البنك الدولي .
وفقاً لمشروع خط أنابيب تشاد والكاميرون، الذي يدعمه البنك الدولي، كان يعلن عن نيته بناء مصفاة لتكرير النفط، هذه الخطوط تنقل النفط الخام من التشاد إلى الخارج، في المقابل تستورد التشاد احتياجاتها النفطية مكررة جميعها، وعلى الرغم من ذلك لم يفِ البنك الدولي في وعوده. مما دفع الصين لبناء أول مصفاة بترول في تشاد كمشروع مشترك، تتوزع الملكية (60% للصين،40% تشاد)، وفقاً لوزير المالية والميزانية التشادية الذي قال: (لو قدمنا هذا الطلب إلى شركائنا التقليديين، لقالوا لنا بالتأكيد تخلوا عن هذه الفكرة.
إفريقيا تحتاج مساعدات تنموية حقيقية.
الصين تقود التنمية عالمياً من خلال مساعداتها التنموية بأشكالها المختلفة من قروضٍ ومنحٍ، وذلك في إطار التعاون بين بلدان الجنوب لدعم ومساعدة البلدان النامية ولاسيما الأقل نمواً.
بدأ برنامج المساعدات الخارجية الصينية منذ عام 1950 واستمر في التوسع حتى أصبحت الصين منذ عام 2011 في المرتبة الأولى عالمياً بتمويل التنمية، التمويل الذي يلتزم بعدم فرض أية شروط سياسية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المتلقية، والاحترام الكامل لحقها في الاختيار المستقل لمساراتها ونماذجها التنموية الخاصة، بما يحقق المنفعة والربح المشترك.
أما بالنسبة للصين، فهي تقدم أنواع مساعدات متعددة: المنح_ قروض بدون فائدة_ القروض الميسرة (معدلات فائدة منخفضة وثابتة) ضمن ما يسمى المساعدات الإنمائية الرسمية، بالإضافة لأنواع تدفقات رسمية أخرى، والتي تستحوذ على القسم الأكبر من التمويل الصيني.()
شراكة على قاعدة (كاسب – كاسب)
لم تعد القارة الأفريقية رهينة لهيمنة الاستثمارات الأوروبية إذ أصبح للصين حضور قويّ في القارة السمراء، وأسهمت الاستثمارات الصينية من خلال مبادرة الحزام وطريق الحرير ، في النهوض بكثير من اقتصادات القارة، الأمر الذي جعل من الصين منافسا شرسا أمام المستعمر الأوروبي القديم.
وهكذا : تطرح الصين من خلال مبادرة الحزام وطريق الحرير، على الأفارقة شراكة تحقق “الكسب للجميع”، خاصة عزم الصين على الاستثمار والدعم في مجال التنمية في البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا. وتعاني إفريقيا من عجز كبير في البنية التحتية، وخاصة في الشوارع، والجسور، والموانئ، والمستشفيات، والمدارس، إلخ. ويدل تعهد الصين بالاستثمار في هذا المجال على أنها تستجيب لاحتياجات الدول الإفريقية. وهذا يشمل قروض ائتمان تفضيلية للزبائن، وقروض امتيازية من المساعدات الخارجية.
اعتماد الصين لمنهج فريد في تقديم المعونات التنموية والتمويل، حيث تمزج بين المنح الخاصة، والقروض الخالية من الفوائد، وتخفيض الدين والقروض الامتيازية لتمويل المنح الدراسية، وبناء منشآت البنية التحتية وتجهيزات الاتصالات، وبناء القدرات في مجال الزراعة والتعدين عبر إفريقيا.
إذن: الصين تزود الدول الإفريقية وقادتها ببديل معتبر لخريطة الطريق الغربية التقليدية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتطوير؛ فالصين لا تشترط الليبرالية السياسية والاقتصادية كمتطلب مسبق للتنمية الاقتصادية. ذلك أن المنهج الصيني يشي بإمكانية التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون ليبرالية سياسية. ويرغب القادة الأفارقة في تنمية اقتصادية مع ليبرالية اقتصادية محدودة. ويحاول الدبلوماسيون الصينيون دائمًا تأكيد تحرر بلدهم من الهيمنة الاستعمارية، والفوضى الداخلية، والركود الاقتصادي، ووصولهم إلى تحقيق تنمية اقتصادية مدهشة واستقرار سياسي.
وفي سياق متصل، فلم تقتصر آليات التعاون الصيني الإفريقي على تقديم الوعود فحسب، بل بل يندرج ذلك في إطار وعي وإدراك بكين لأهمية القارة الكبيرة وتصميمها على الوفاء بوعودها لتنفيذ نتائج قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي «فوكاك» الذي عقد في جوهانسبرج ديسمبر 2015. ()
الطريق إلى التنمية عبر مشاريع البنية التحتية
المساعدات الصينية تركز على مشاريع البنية التحتية التي يعتبرها الصينيون الأساس في عملية التنمية بما يحقق المنفعة المشتركة، حيث يردد الصينيون مقولة: (لتصبح غنياً ابنِ طريقاً) ()، لتأتي الصناعة في المرتبة الثانية، تليها الطاقة وتنمية الموارد. فالصين تزود إفريقيا بالمساعدات من خلال منح وقروض بلا فوائد، وإعفاءات الديون أو تخفيضها ، لتمويل الخدمات ، ، و البنيات التحتية ، والاتصالات والمساعدة الفنية، ومشاريع التدريب و بناء القدرات في مختلف المجالات
السكك الحديدية للنهوض بإقتصاديات القارة:
السكك الحديدية أحد أكثر مجالات التعاون بين بكين ودول القارة السمراء، من حيث حجم المشروعات وقيمة الاستثمارات بها، ومازالت هذه المشروعات تتواصل على نطاق أوسع مع تنامى الاقتصاد الصينى والاقتصادات الإفريقية على طريق الحرير. الصينيين آمنوا بفكرة أن السكك الحديدية السريعة هي الاستراتيجية المثلى للتوحيد وتعزيز الروابط . التزموا بهذه الفكرة بالإتساق مع مقولة: (لتصبح غنياً ابنِ طريقاً) التي من تجلياتها قيامهم في الفترة ما بين عامي 1970 و1975 بانفاق 500 مليون دولار وتوظيف 50 ألف مهندس وفني صيني من أجل تشييد سكة حديد «تان زام» الرابط بين مناجم النحاس الغنية في زامبيا والعاصمة التنزانية دار السلام بطول 1800 كلم. و الصين هي التي انجزت خلال 6 سنوات خط دار السلام كابيري مبوشي الحديدي في تنزانيا والذي افتتح رسميًا في 1975، كل ذلك يعكس مساهمات تاريخية قامت بها الصين لرفد القارة السمراء بالبنيات التحتية الأساسية في مجال السكك الحديدية ويوضح العمق والبعد التاريخي للعلاقات بين الجانبين. ()
واليوم يقع بناء شبكة سكك حديد افريقية في قلب الرؤية الصينية للتوغل عميقًا في افريقيا
خط لاجوس – كالابار للسكك الحديدية على طول الساحل النيجيري:
وعقب إنشاء الشركات الصينية لخط «تازارا» تواصلت أعمالها فى إفريقيا، وأصبحت السكك الحديدية أحد أكثر مجالات التعاون بين بكين ودول القارة السمراء، من حيث حجم المشروعات وقيمة الاستثمارات بها، ومازالت هذه المشروعات تتواصل على نطاق أوسع مع تنامى الاقتصاد الصينى والاقتصادات الإفريقية، فقد وقعت الصين مع نيجيريا فى نهاية عام 2014 عقدا بقيمة 11.9 مليار دولار لإنشاء خط سكك حديدية على طول ساحل الدولة الإفريقية، ويعد ذلك المشروع أكبر مشروع عقد فردى للصين فى العالم، وسيمتد الخط بطول 1402 كيلومتر ويربط بين عاصمة نيجيريا الاقتصادية لاجوس فى الغرب ومدينة كالابار فى الشرق، وكان مخططا أن يوفر المشروع ما يصل إلى 200 ألف فرصة عمل للنيجيريين، كما يوفر الخط 30 ألف وظيفة ثابتة حال البدء فى تشغيله.()
خط سكة حديد ميناء مونباسا – نيروبي و شرق إفريقيا:
وقعت الحكومة الصينية اتفاقية مع نيروبي تبلغ قيمتها 3.8 مليار دولار، لمد خط سكة حديد يربط ميناء مونباسا بنيروبي، ثم يمتد إلى باقي شرق إفريقيا. وبموجب الاتفاق يتحمل بنك إكزيم الصيني 90% من كلفة الأعمال الهادفة إلى استبدال الخط الحالي الذي يعود إلى فترة الاستعمار البريطاني ويمتد على مسافة 609 كيلومترات، وتتحمل كينيا 10% الباقية.
ومن انطلق المشروع في عام 2014 على أن يفتتح في عام 2017. وتنجزه شركة “تشاينا كومنيكيشن كونستركشن” كمتعاقد رئيسي. ثم تنطلق أعمال البناء لربط أكبر مدينة اقتصادية في شرق إفريقيا مع كمبالا وكيغالي وبوجمبورا وجوبا.() ()
وتم توقيع الاتفاق في نيروبي بحضور الرئيس الكيني يوهورو كينياتا ورئيس رواندا بول كاغامي ورئيس جنوب السودان سلفا كير ورئيس تنزانيا جاكايا كيكويتي ورئيس أوغندا يوري موسيفيني.
ويأمل قادة شرق إفريقيا في مساعدة الصين على إقامة شبكة سكك حديد عصرية من شأنها ربط عاصمة بورندي بوجمبورا مرورا بأوغندا ورواندا مع خط يربط جنوب السودان.
خط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي العابر للحدود() () ()
يبلغ طول هذا الخط أكثر من سبعمائة وخمسين كيلومترا وبه خمس وأربعون محطة، وتبلغ سرعة القطار مائة وعشرين كيلومترا في الساعة، وبلغت تكلفته أربعة مليارات دولار أمريكي. تم إنشاء الخط وفقا للمعايير الصينية وبمعدات بناء صينية. هذا الخط هو أول مشروع للسكك الحديدية بصناعة صينية كاملة من حيث التصميم والاستثمار والتمويل والمعدات والمواد والإنشاء والإشراف والإدارة التنفيذية. تنفذه الصين خارج حدودوها. شاركت الشركات الصينية في أعمال مختلفة بهذا المشروع؛ حيث قدم بنك الصين للاستيراد والتصدير قرض تمويل المشروع، ونفذته المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية، وقدمت شركة الصين لاستشارات المشروعات الدولية الخدمات الاستشارية والمراقبة والإدارة.”
خط أديس أبابا- جيبوتي، خط آخر للسكك الحديدية عابر للحدود في أفريقيا، بعد خط تنزانيا- زامبيا. وإذا كان البعض يسمي خط أديس أبابا- جيبوتي بـ”خط تنزانيا- زامبيا في المرحلة الجديدة”، فالحقيقة أن ثمة اختلاف بين الاثنين، فخط تنزانيا- زامبيا مشروع مساعدة من الحكومة الصينية، بينما خط أديس أبابا- جيبوتي مشروع تجاري.
“خلال تنفيذ المشروع، تم توظيف حوالي أربعين ألف محلي. وفي عام 2016، قامت هيئة الإدارة المشتركة المكونة من المجموعة الصينية المحدودة للسكك الحديدية والمجموعة الصينية لإنشاءات الهندسة المدنية بتوقيع عقد لهذا الخط لمدة ست سنوات. بعد تشغيل الخط، سيصل عدد فرص العمل للمحليين به أكثر من ألفين، في مجالات الشحن وسفر الركاب وفحص وصيانة القطارات وصيانة البنية التحتية، وغيرها من الأعمال الأخرى.
يقول المثل الصيني: “أن تعلمني الصيد خير من أن تعطيني السمك”. خلال عملية بناء الخط، قدمت الحكومة الصينية والشركات الصينية أموالا خاصة لتدريب أكفاء من إثيوبيا وجيبوتي في مجالات السكك الحديدية، فهناك أكثر من ثلاثمائة موظف من شركة إثيوبيا للسكك الحديدية تم تدريبهم على التقنيات والمعلومات الخاصة بهندسة السكك الحديدية وقيادة وصيانة القطارات وغيرها.
إثيوبيا بلد غير ساحلي، وأكثر من 90% من واردات وصادرات هذه الدولة تمر بميناء جيبوتي، لكن الطريق الوحيد بين البلدين، يستغرق سبعة أيام ذهابا وإيابا، فالسرعة بطيئة والتكلفة عالية. باختصار السبعة أيام إلى عشر ساعات، يعتبر خط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي، قناة رئيسية لاستيراد وتصدير السلع بالنسبة لإثيوبيا، بل وللمناطق الداخلية في شرقي أفريقيا، ويحسن كثيرا الوضع الحالي لبنية النقل التحتية في إثيوبيا وجيبوتي والدول المجاورة والمناطق الداخلية لأفريقيا. وهو أول خط للسكك الحديدية الكهربائية عابر للحدود في أفريقيا، ومعلم للتنمية في تاريخ إثيوبيا وجيبوتي، ومشروع رمزي بين الصين والدول الأفريقية، من حيث التعاون في قدرة الإنتاج وشبكة السكك الحديدية السريعة وشبكة الطرق السريعة وشبكة الطيران الإقليمية والتصنيع، وهو إنجاز هام ودعم استراتيجي حيوي لـ”الحزام والطريق” أيضا، ولا شك أنه سيزيد القوة المحركة لتنمية إثيوبيا وجيبوتي.
ميناء دوراليه متعدد الوظائف والمنطقة الحرة بجيبوتي ()
بدأ انشاء مشروع ميناء متعدد الوظائف في جيبوتي في أغسطس عام 2014، ويبلغ إجمالي قيمة العقد 580 مليون دولار، ويوفر بنك التصدير والاستيراد الصيني له قروضا تفضيلية. وتحمل الشركة الصينية المحدودة لهندسة البناء المسؤولة على بناء الميناء، وتوفر مجموعة شنغهاي تشن هوا مرافق الموانئ الكبيرة ” صنع في الصين”. ومن المتوقع أن يتسع الميناء 7.08 ملايين طن من السلع، و200 ألف حاوية سنويا.
يعتبر الميناء اكثر الموانئ الافريقية تقدما من حيث التقينة.” ومع تزويد جيبوتي بنية تحتية جديدة من الطراز العالمي، ما يحسن من مركز جيبوتي التجاري في القارة الافريقية. حيث يتميز الميناء بآلية وطريقة حديثة لجعل تحميل وتفريع السفن بكفاءة تشغيل تصل الى ما يقرب من اربع مرات عن من قبل، وتعزز القدرة التنافسية للميناء الى حد كبير، كما أن الميناء منفذ على مستوى عالمي، والبنية التحتية الجديدة تحسن كثيرا من بيئة وكفاءة التجارة في القرن الافريقي، ويرفع من مكانة جيبوتي في بناء طريق الحرير البحري للقرن الـ 21. وسيمر في المستقبل كل عام الآلاف من السيارات والملايين من البضائع.
كشفت الشركة الصينية المحدودة لهندسة البناء عن إقامة مراسم الإفتتاح للمرحلة الأولى من مشروع ميناء دوراليه متعدد الوظائف بجيبوتي الذى بنته الشركة فى يوم 24 مايو 2017.ويعتبر ميناء دوراليه أكبر مشاريع المواني الذى تبناه الشركة الصينية المحدودة لهندسة فى منطقة شمال شرق افريقيا،وأول مشروع مائي للشركة فى افريقيا،كما يعتبر ايضا أكبر مشروع مائي للشركة فى الخارج إلى حد الآن.
وصلت قيمة العقد لهذا المشروع الذى بدأ فى أغسطس عام 2014،إلى 421.7 مليون دولار أمريكي،ويشمل الميناء الرئيسي طوله 1200 متر،ورصيف قوارب العمل طوله 175 متر،وساحة الطرق بمساحة 900 ألف متر مربع،بالإضافة إلى مباني بمساحة 80 ألف متر مربع وغيرها من المرافق.ومن المتوقع أن يتسع الميناء 7.08 ملايين طن من السلع، و200 ألف حاوية سنويا.
منطقة ليكى للتجارة الحرة في نيجيريا:
، تعد منطقة ليكى للتجارة الحرة مشروع تنمية استراتيجيا يجرى تنفيذه من قبل الشركة الصينية المحدودة لبناء السكك الحديدية ، احدى اكبر 500 شركة عالمية بالتعاون مع حكومة ولاية لاجوس النيجيرية. بالجهود المشتركة بين الشركة وحكومة ولاية لاجوس، من المتوقع ان تشهد منطقة ليكي نموا سريعا خلال السنوات القادمة.”تبعد منطقة ليكى للتجارة الحرة الواقعة فى شبه جزيرة ليكي فى خليج غينيا بالمحيط الاطلنطى،50 كم عن مدينة لاجوس ، ويصل اجمالى مساحتها المزمعة الى 165 كم2. ()
يزداد التنافس الدولي على إفريقيا ويكتسب أبعادًا استراتيجية جديدة؛ فهي تخترن حوالي 12% من احتياطي النفط العالمي، ونحو 10% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي العالمي. ناهيك عن الموارد الطبيعية التي يزخر بها باطن القارة. ولم تعد القوى المتنافسة محصورة بالقوى التقليدية بل دخلت قوى صاعدة جديدة إلى المنطقة كالصين والهند واليابان. وباعتبار الصين قوة صاعدة جديدة كان من الطبيعي أن تصبح الساحة الإفريقية تجسيدًا للمشروع الاستراتيجي الصيني، أو جزءًا مما بات يُسمى “الحلم الصيني”، وتدرك بكين جيدًا أن العالم سيحكم عليها من خلال علاقاتها الدولية وبالتحديد منها علاقاتها مع إفريقيا، ولذلك تسعى جاهدة لإنجاح هذه التجربة وتقديمها كنموذج يقوم وفق رؤية بكين على أساس الاحترام والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إجمالاً، من الصعب التنبؤ بمستقبل العلاقات الصينية الإفريقية. فما زال هناك شيآن ظاهران؛ الأول: هو أن العلاقات -وخاصة المكونات الاقتصادية- ما زال أمامها متسع للتطور. وبالمثل فمن المتوقع أن تتطور العلاقات في المدى القصير والمتوسط. خاصة وأمام إفريقيا فرص واسعة وكبيرة من خلال مبادرة الحزام وطريق الحرير التي تبنتها الصين . وتستمر البلدان الإفريقية في الاستفادة من الحضور الصيني؛ لأنه يؤدي إلى نمو مستدام وتحسين في البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وتدفق استثمارات جديدة، ومزيدٍ من العلاقات التجارية الاقتصادية). على أن التوصل إلى سيناريو حقيقي يكون بموجبه “الجميع فائزًا” خاصة بالنسبة لإفريقيا، يعتمد على عدد من الأشياء: ()
قدرة العلاقة الصينية الإفريقية على التحول أو تحقيق تنمية القدرات الإفريقية المستهدفة في مجال التعليم والصحة والزراعة، أو تسريع تلك العملية.
القدرة على تحويل القدرات التكنولوجية الإفريقية، خاصة في مجال الاستخراج ومعالجة مواردها الطبيعية وإضافة القيمة لها.
ترجمة منافع التفاعل بحيث يستفيد منها المواطنون الأفارقة من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والبيئية والسياسية.
القدرة على التنسيق الفعال لنشاطات الحكومة الصينية والقطاع الخاص الصيني في إفريقيا.
الحقيقة أن السرعة التي تتنزل بها مشروعات طريق الحرير على كل بقاع الأرض ، لا تعطي فرصة لإفتقاط الأنفاس والمتابعة ، فكل لحظة فيها الجديد وتتغير الأحداث على الأرض مباشرة وواقع اليوم على طريق الحرير ، لا يشبه الغد ، خاصة في منطقة مثل قارة إفريقيا إفتقدت لكل شي في الماضي القريب بالأمس ، ووجدت نفسها الآن ، كل شي متاح دون قيد أوشرط ، على قاعدة ذهبية (كاسب – كاسب) ، الكل منتفع ولا يوجد خاسر . ويبقى طريق الحرير يؤسس لعالم جديد أكثر تعاوناً وأكثر عدلاً على الأقل في نظر الشعوب التي لا حظ لها من التنمية.